ترشيد استهلاك المياه: ضرورة وليس ترفاً

1

المياه عنصر أساسي من عناصر البيئة التي لا يمكن الاستغناء عنها، فهي أساس الحياة على هذه الأرض وأساس حياة الكائنات عليها. ولا تقتصر الماء على الحياة فقط، فهي تدخل في معظم الأنشطة الإقتصادية وخاصة الزراعة والصناعة وتوليد الكهرباء.

تشكّل المياه حوالى 70 % من سطح الكرة الأرضية، إلا أن نسبة المياه العذبة تشكّل 3 % فقط من إجمالي المياه الموجودة في العالم. ومع تزايد عدد السكان بشكل يصعب على كمية المياه المتوافرة سدّ حاجاتهم، فقد برزت منذ عقدين من الزمن على الأقل مشكلة النقص في المياه الصالحة للشرب. وهذه المشكلة لم تنتج عن الزيادة السكانية في مختلف دول العالم فحسب، مما أدّى إلى استنزاف الموارد المائية، بل كذلك عن زيادة نسبة التلوث في مصادر المياه ومجاريها ومسطحاتها. وبالرغم من الأهمية القاطعة للمياه التى تفرض على كل مواطن مسؤولية الحفاظ عليها، فإن حالة التسيّب السائدة على هذا الصعيد بالإضافة إلى عدم الوعي بخطورة الموضوع أدت إلى وقوع إهدار رهيب للمياه وانتشار طرق الإستهلاك الخاطئ لهذه الثروة الطبيعية.

 شهدنا في الأعوام الأخيرة ازدياداً كبيراً في حرارة الجو خلال أشهر الصيف وتناقصاً في معدلات تساقط الأمطار، وضرب ارتفاع الحرارة أرقاماً قياسية خلال عامي 2010 و2012. هذا الأمر أدى إلى انتشار الجفاف والشحّ في المياه في الكثير من مناطق العالم ومنها لبنان. وبالرغم من تميّز لبنان عن سائر دول الجوار بوفرة مصادر المياه فيه، فإن مشكلة لبنان مع المياه ليست جديدة. ومع أن عواقب الحرب الأهلية لعبت دوراً في خلق أزمة المياه، فإن استمرار هذه الأزمة وتفاقمها يعود إلى سوء الإدارة لدى الجهات الرسمية المختصة وإلى عدم استهلاك الماء بشكل مسؤول ومنضبط من قبل المواطنين.

ثروة المياه في لبنان

2

تتمثل مصادر المياه في لبنان بالموارد التالية:

1- مياه الأمطار.

2- الثلوج المتراكمة التي تُعتبَر خزّاناً مهماً للمياه الجوفية.

3- المياه الجوفية.

4- الأنهار والينابيع والآبار الجوفية.

يصل عدد الأنهار في لبنان إلى سبعة عشرة نهراً أهمها نهر الليطاني، ويُقدَّر عدد الينابيع بحوالى 2000 وعدد الآبار بـ 2500 بئراً.

وتوفر هذ المصادر ما يقارب 10 مليارات متر مكعب, علماً أن التقديرات لدى بعض المؤسسات والخبراء هي متناقضة, حيث أن بعض التقديرات للموارد المائية في لبنان تتراوح بين 3 و5 مليارات متر مكعب.

الأمطار

يبلغ المعدل السنوي العام للمياه على مختلف الأراضي اللبنانية في سنة متوسطة الأمطار نحو 8200 مليون متر مكعب. يتسرّب من هذه الكميات إلى باطن الأرض 1500 مليون م3 في حين يبقى 6700 مليون م3 على سطح الأرض. وفي المياه المتسرّبة إلى داخل الأرض يجري 685 مليون م3 إلى فلسطين والبحر، ويتبخّر 250 مليون م3، فيما يبقى في جوف الأرض 565 مليون م3 كحد أقصى من المياه القابلة للاستعمال.

أما كميات المياه السطحية والتي تبلغ 6700 مليون م3 فيذهب منها إلى سوريا 450 مليون م3 عبر نهر العاصي و220 مليون م3 إلى فلسطين عبر الوزاني والحاصباني، وتبلغ الكميات التي تتبخّر 3850 م3 ويبقى قابلاً للإستعمال 2200 مليون م3. وتُقدَّر كميات المياه التي يمكن استعمالها إن في جوف الأرض أو على سطحها بـ 2767 مليون م3 يُستخدم منها حالياً 1300 مليون م3 ويُهدر 1467 مليون م3 في البحر.

وتُظهر هذه الأرقام أن المياه التي تعبر أنهار وسواقي وأراضي لبنان وتصبّ في البحر، تتعدّى حجم المياه التي تُستخدَم للشفة (350 مليون م3) والصناعة (70 مليون م3) والري (900 مليون م3) في وقت يعيش فيه العديد من المدن والقرى والمناطق شحّاً وتقنيناً في المياه طوال السنة وحتى في أيام الشتاء أحياناً.

تلوّث المياه

 

أشارت دراسة قامت بها منظمة اليونيسف خلال التسعينات إلى أن 60 إلى 70 في المائة من مصادر المياه والشبكات في لبنان معرّضة للتلوث الجرثومي، وهذا التلوث موجود في جميع المناطق اللبنانية. أما أسباب التلوث وفقاً للدراسة فهي:

– عدم وجود حماية لمصادر المياه الطبيعية.

– تعرّض الينابيع والمصادر السطحية لمياه الزراعة والمياه المبتذلة والنفايات الصلبة.

– الطرق غير السليمة للتخلص من المياه المبتذلة والنفايات الصلبة.

– تعرّض شبكات المياه لتسرب المياه المبتذلة إليها.

– غياب الصيانة الدورية لشبكات توزيع المياه.

– غياب الطرق السليمة لتعقيم المياه.

ولفتت الدراسة إلى أن المياه الجوفية تتعرّض لاستغلال عشوائي في غياب القوانين والأنظمة الرادعة. وقد نتج عن استباحة هذه الثروة الطبيعية استنزاف كميات المياه المتوافرة واختلال التوازن بين الوارد الطبيعي المغذّي للخزّان الجوفي وعملية السحب المتمادية للمياه بواسطة آبار ارتوازية ارتفع عددها بشكل عشوائي مخيف.

وهكذا فلبنان مهدّد كسواه من الدول العربية بنقص في المياه بحلول عام 2015 مما يوجب إعطاء أهمية لاعتماد سياسة مائية أي خطط ومشاريع للإستفادة من المياه المتاحة وإيجاد مصادر جديدة لتلبية الحاجات من قبل الجهات المسؤولة. ولكن ما هو دور المواطن؟ وهل يستطيع كل فرد منا أن يساهم في معالجة مشكلة المياه أو تفاقمها؟

3

ترشيد استهلاك المياه

 

إن مشاكل نقص وتلوّث المياه ليست من مسؤولية مصالح المياه أو الوزارات والإدارات المختصة فقط، بل لا بدّ من مشاركة جميع المواطنين في علاج هذه المشاكل وذلك عن طريق اكتساب “وعي مائي” وتنمية الإتجاهات والسلوكيات السليمة لدى المواطنين في تعاملهم مع الموارد المائية بهدف ترشيد استهلاك المياه واستغلالها بشكل أفضل.

ولكن واقع الحال يُظهر إساءة استخدام المياه في المجالات المختلفة، والمواطن اللبناني ليس لديه ثقافة الترشيد في مجال المياه. فعلى سبيل المثال، يجري استهلاك مياه الشرب بلا ضوابط فتُغسل بها السيارات والشوارع وتُروى بها الحدائق. ويبدو أن رخص ثمن المياه ووصولها إلى المستهلكين بأسعار في متناول أيديهم يشكّل دافعاً لهم لإهدارها!

من هنا تبرز أهمية توعية المواطن لإدراك ضرورة حسن استهلاك المياه، خاصة وأن ترشيد استهلاك المياه أصبح يُعدّ مؤشراً على المواطنة الصالحة ورمزاً للتحضّر وإسهاماً حقيقياً في حماية البيئة. وللعلم فإن معظم الدول الأوروبية، التي تمتلك عدداً وفيراً من الأنهار والبحيرات العذبة ولا تتهدّدها مشكلة شح الموارد المائية، تنتهج سياسة ترشيد استهلاك المياه على المستويين الرسمي والشعبي لقناعتها بأن الماء مورد نفيس يجب المحافظة عليه من الهدر.

والمقصود بالترشيد هو الإستخدام الأمثل للمياه الذي يؤدّي إلى الإستفادة منها بأقل كمية وبأرخص التكاليف المالية الممكنة في جميع مجالات النشاط. وعند التحدّث عن ترشيد استهلاك المياه فالهدف الرئيسي هو توعية المواطن بأهمية المياه باعتبارها أساس الحياة والعنصر الأساسي في كافة المجالات الصناعية والزراعية والسياحية. والدعوة إلى الترشيد لا يُقصد بها الحرمان من استخدام المياه بقدر ما يُقصد بها العمل على تغيير الأنماط والعادات الإستهلاكية اليومية بحيث يتّسم السلوك الإستهلاكي للمواطن أو للأسرة بالتعقّل والإتزان وعدم الإسراف.

أشكال الهدر وكيف نوقفه

 Watersplash

إن هدر المياه هو استهلاك الكمية الزائدة عن الحاجة، وهذا النمط من السلوك مرتبط بعادات المواطنين المتوارثة وبقلة الوعي وضعف الإحساس بالمسؤولية. غير أن تلك العادات يمكن تداركها بكل بساطة حفاظاً على الثروة المائية وتخفيفاً من هدرها.

ما هي حالات الهدر التي نمارسها في حياتنا اليومية وما العمل للتخفيف منها تمهيداً للتخلص منها؟

– ترك الحنفية مفتوحة لبعض الوقت من دون فائدة لا يؤدي سوى إلى هدر المياه والخسارة المادية بسبب ما يؤديه ذلك من ارتفاع قيمة فاتورة المياه، المفروض إغلاق الحنفية في حال عدم الحاجة إليها.

– الحنفية التي تسرّب الماء تهدر 726 ليتر يومياً على الأقل، وهذه تشكّل نسبة كبيرة من حصة الفرد من مياه الشرب يومياً. لذلك لا بد من إصلاح أي تسرّب للمياه ضمن المنزل.

– إستخدام كأس عند تنظيف الأسنان يوفّر كميات كبيرة من المياه، إذ غالباً ما تُترك الحنفية مفتوحة أثناء تنظيف الأسنان وبذلك تُهدر كمية لا تقلّ عن ثلاثة ليترات بينما يكفي لتنظيف الأسنان نصف ليتر.

– إستعمال الدوش عند الإستحمام يستهلك تقريباً 20 لتر من الماء، بينما يستهلك حوض الإستحمام (البانيو) ما يزيد عن 140 لتر.

– غسيل أرض المنزل بواسطة خرطوم المياه يتسبب في هدر كبير للمياه، بينما تستهلك طريقة المسح العادي كمية أقل بكثير من المياه.

– إستخدام الغسّالات الحديثة يؤدي إلى توفير الإستهلاك، إذ تستهلك الغسالات القديمة 100 ليتر على الأقل بينما الحديثة تستهلك 25 ليتر.

– إستخدام دلو المياه عند غسل السيارة وعدم استخدام خرطوم المياه لأن الخرطوم يستهلك حوالي 300 لتر في كل مرة.

من جهة أخرى، تقع مسؤولية كبيرة على مصالح المياه والإدارات المسؤولة عنها في مسألة الحدّ من هدر المياه. وهذه المسؤولية تتمثّل بحماية المصادر المائية المتوفّرة والحفاظ عليها كي تبقى صالحة للإستهلاك البشري ومنع تلوّثها، وتجديد أو تبديل شبكات خطوط المياه القديمة والمهترئة للحدّ من نسبة الهدر المائي فيها، إضافة إلى قمع المخالفات والتعدّيات التي تحصل على الشبكات وإيقاع العقوبات اللازمة بحق المخالفين.

الإعتماد الحقيقي يبقى على وعي المواطن

 

لا شكّ أن التوعية حول ضرر الإستعمال غير المسؤول للمياه مازالت تحتاج إلى بذل جهود كبيرة على كافة الإتجاهات ومن كل مؤسسات المجتمع. فالمسؤولية تقع على عاتق الجميع، ابتداءً من المنزل مروراً بالمدارس والجامعات وكافة المؤسسات الإجتماعية والتربوية والأجهزة الرسمية في الدولة، وصولاً إلى دور وسائل الإعلام الجوهري في مجال التوعية في هذا الشأن.

لقد حان الوقت لتبنّي “ثقافة مائية” أكثر تقشفاً للحفاظ على الثروة الكبرى التي تشكّلها المياه في لبنان واستثمارها بطريقة فعّالة. مع التنويه بأن حاجات المواطنين من المياه قد تصل إلى مرحلة لا تعود خلالها الموارد المائية قادرة على تلبية الطلب المتزايد في حال لم يتمّ اعتماد ثقافة استهلاك مائية مسؤولة ومتطورة، والأمر المشجّع هو أن ترشيد استخدام المياه لا يتطلب إمكانيات اقتصادية أو فنية كبيرة وهو في متناول يد كل مواطن.

وائل حداد

Tagged: , , , , , , ,

Leave a comment